فصل: باب الغسل من الحيض

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **


 باب وجوب الغسل على الكافر إذا أسلم

1- عن قيس بن عاصم‏:‏ ‏(‏أنه أسلم فأمره النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم أن يغتسل بماء وسدر‏)‏‏.‏

رواه الخمسة إلا ابن ماجه‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا ابن حبان وابن خزيمة وصححه ابن السكن وهو يدل على مشروعية الغسل لمن أسلم‏.‏ وقد ذهب إلى الوجوب مطلقًا أحمد بن حنبل‏.‏

وذهب الشافعي إلى أنه يستحب له أن يغتسل فإن لم يكن جنبًا أجزأه الوضوء وأوجبه الهادي وغيره على من كان قد أجنب حال الكفر سواء كان قد اغتسل أم لا لعدم صحة الغسل وقال باستحبابه لمن لم يجنب أوجبه أبو حنيفة على من أجنب ولم يغسل حال كفره فإن اغتسل لم يجب‏.‏ وقال المنصور باللَّه‏:‏ لا يجب الغسل على الكافر بعد إسلامه من جنابة أصابته قبل إسلامه وروي عن الشافعي نحوه‏.‏

احتج من قال بالوجوب مطلقًا بحديث الباب وحديث ثمامة الآتي وحديث أمره صلى اللَّه عليه وآله وسلم لواثلة وقتادة الرهاوي عند الطبراني وعقيل بن أبي طالب عند الحاكم في تاريخ نيسابور قال الحافظ‏:‏ وفي أسانيد الثلاثة ضعف‏.‏

واحتج القائلون بالاستحباب إلا لمن أجنب بأنه لم يأمر النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم كل من أسلم بالغسل ولو كان واجبًا لما خص بالأمر به بعضًا دون بعض فيكون ذلك قرينة تصرف الأمر إلى الندب وأما وجوبه على المجنب فللأدلة القاضية بوجوبه لأنها لم تفرق بين كافر ومسلم‏.‏

واحتج القائل بالاستحباب مطلقًا لعدم وجوبه على المجنب بحديث الإسلام يجب ما قبله والظاهر الوجوب لأن أمر البعض قد وقع به التبليغ ودعوى عدم الأمر لمن عداهم لا يصلح متمسكًا لأن غاية ما فيها عدم العلم بذلك وهو ليس علمًا بالعدم‏.‏

2- وعن أبي هريرة‏:‏ ‏(‏أن ثمامة أسلم فقال النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ اذهبوا به إلى حائط بني فلان فمروه أن يغتسل‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا عبد الرزاق والبيهقي وابن خزيمة وابن حبان وأصله في الصحيحين وليس فيهما الأمر بالاغتسال وإنما فيهما أنه اغتسل والحديث قد تقدم الكلام على فقهه‏.‏

 باب الغسل من الحيض

1- عن عائشة‏:‏ ‏(‏أن فاطمة بنت أبي حبيش كانت تستحاض فسألت النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم فقال‏:‏ ذلك عرق وليست بالحيضة فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغتسلي وصلي‏)‏‏.‏

رواه البخاري‏.‏

الحديث متفق عليه بلفظ‏:‏ ‏(‏فاغسلي عنك الدم وصلي‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ذلك‏)‏ بكسر الكاف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وليست بالحيضة‏)‏ الحيضة بفتح الحاء كما نقله الخطابي عن أكثر المحدثين أو كلهم وإن كان قد اختار الكسر على إرادة الحالة لكن الفتح هنا أظهر قاله الحافظ‏.‏ وقال النووي‏:‏ هو متعين أو قريب من المتعين‏.‏

وأما قوله‏:‏ ‏(‏فإذا أقبلت الحيضة‏)‏ فيجوز فيه الوجهان معًا جوازًا حسنًا انتهى‏.‏ قال الحافظ‏:‏ والذي في روايتنا بفتح الحاء في الموضعين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وصلي‏)‏ أي بعد الاغتسال وقد وقع التصريح بذلك في بعض روايات البخاري في باب إذا حاضت في شهر ثلاث حيض‏.‏

والحديث يدل على أن المرأة إذا ميزت دم الحض من دم الاستحاضة تعتبر دم الحيض وتعمل على إقباله وإدباره فإذا انقضى قدره اغتسلت عنه ثم صار حكم دم الاستحاضة حكم الحدث فتتوضأ لكل صلاة لا تصلي بذلك الوضوء أكثر من فريضة واحدة مؤداة أو مقضية لظاهر قوله‏:‏ ‏(‏توضئي لكل صلاة‏)‏ قال الحافظ‏:‏ وبهذا قال الجمهور‏.‏

وعند الحنفية أن الوضوء متعلق بوقت الصلاة وكذا عند الهادوية ويدل على عدم وجوب الاغتسال لكل صلاة وفيه خلاف وسيأتي الكلام عليه في باب غسل المستحاضة وفي أبواب الحيض لأن المصنف رحمه اللَّه سيورد هذا الحديث مع سائر رواياته هنالك وإنما ساقه هنا للاستدلال به على غسل الحائض ولم يأمرها صلى اللَّه عليه وآله وسلم بالاغتسال إلا لإدبار الحيضة‏.‏

 باب تحريم القراءة على الحائض والجنب

1- عن علي كرم اللَّه وجهه قال‏:‏ ‏(‏كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يقضي حاجته ثم يخرج فيقرأ القرآن ويأكل معنا اللحم ولا يحجبه وربما قال لا يحجزه من القرآن شيء ليس الجنابة‏)‏‏.‏

رواه الخمسة لكن لفظ الترمذي مختصر‏:‏ ‏(‏كان يقرئنا القرآن على كل حال ما لم يكن جنبًا‏)‏ وقال‏:‏ حديث حسن صحيح‏.‏

الحديث أيضًا أخرجه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم والبزار والدارقطني والبيهقي وصححه أيضًا ابن حبان وابن السكن وعبد الحق والبغوي في شرح السنة‏.‏ وقال ابن خزيمة‏:‏ هذا الحديث ثلث رأس مالي‏.‏ وقال شعبة‏:‏ ما أحدث بحديث أحسن منه قال الشافعي‏:‏ أهل الحديث لا يثبتونه‏.‏ قال البيهقي‏:‏ إنما قال ذلك لأن عبد اللَّه بن سلمة راويه كان قد تغير وإنما روى هذا الحديث بعد ما كبر قاله شعبة‏.‏ وقال الخطابي‏:‏ كان أحمد يوهن هذا الحديث وقال النووي‏:‏ خالف الترمذي الأكثرون فضعفوا هذا الحديث وقد قدمنا من صححه مع الترمذي‏.‏ وحكى البخاري عن عمرو بن مرة الراوي لهذا الحديث عنه أنه قال‏:‏ كان عبد اللَّه بن سلمة يحدثنا فنعرف وننكر‏.‏

والحديث يدل على أن الجنب لا يقرأ القرآن وقد ذهب إلى تحريم قراءة القرآن على الجنب القاسم والهادي والشافعي من غير فرق بين الآية وما دونها وما فوقها‏.‏ وذهب أبو حنيفة إلى أنه يجوز له قراءة دون آية إذ ليس بقرآن‏.‏ وقال المؤيد باللَّه والإمام يحيى وبعض أصحاب أبي حنيفة‏:‏ يجوز ما فعل لغير التلاوة كـيا مريم اقنتي لا لقصد التلاوة‏.‏

احتج الأولون القائلون بالتحريم بحديث الباب وحديث ابن عمر الذي سيأتي وحديث ‏(‏اقرؤوا القرآن ما لم يصب أحدكم جنابة فإن أصابته فلا ولا حرفًا‏)‏ ويجاب عن ذلك بأن حديث الباب ليس فيه ما يدل على التحريم لأن غايته أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم ترك القرآن حال الجنابة ومثله لا يصلح متمسكًا للكراهة فكيف يستدل به على التحريم‏.‏

وأما حديث ابن عمر ففيه مقال سنذكره عند ذكره لا ينتهض معه للاستدلال‏.‏ وأما حديث اقرؤوا القرآن الخ فهو غير مرفوع بل موقوف على علي عليه السلام إلا أنه أخرج أبو يعلى من حديث علي قال‏:‏ ‏(‏رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم توضأ ثم قرأ شيئًا من القرآن ثم قال هكذا لمن ليس بجنب فأما الجنب فلا ولا آية‏)‏‏.‏

قال الهيثمي‏:‏ رجاله موثقون فإن صح هذا صلح للاستدلال به على التحريم‏.‏ وقد أخرج البخاري عن ابن عباس أنه لم ير في القراءة للجنب بأسًا ويؤيده التمسك بعموم حديث عائشة أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ‏(‏كان يذكر اللَّه على كل أحيانه‏)‏ وبالبراءة الأصلية حتى يصح ما يصلح لتخصيص هذا العموم وللنقل عن هذه البراءة‏.‏

2- وعن ابن عمر‏:‏ ‏(‏عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ لا يقرأ الجنب ولا الحائض شيئًا من القرآن‏)‏‏.‏

رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه‏.‏

الحديث في إسناده إسماعيل بن عياش وروايته عن الحجازيين ضعيفة وهذا منها وذكر البزار أنه تفرد به عن موسى بن عقبة وسبقه إلى نحو ذلك البخاري وتبعهما البيهقي لكن رواه الدارقطني من حديث المغيرة بن عبد الرحمن عن موسى ومن وجه آخر وفيه مبهم عن أبي معشر وهو ضعيف عن موسى‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وصحح ابن سيد الناس طريق المغيرة وأخطأ في ذلك فإن فيها عبد الملك بن مسلمة وهو ضعيف فلو سلم منه لصح إسناده وإن كان ابن الجوزي ضعفه بمغيرة بن عبد الرحمن فلم يصب في ذلك فإن مغيرة ثقة‏.‏ وقال أبو حاتم‏:‏ حديث إسماعيل بن عياش هذا خطأ وإنما هو من قول ابن عمر‏.‏ وقال أحمد بن حنبل‏:‏ هذا باطل أنكر على إسماعيل بن عياش‏.‏ والحديث يدل على تحريم القراءة على الجنب وقد عرفت بما ذكرنا أنه لا ينتهض للاحتجاج به على ذلك وقد قدمنا الكلام على ذلك في الحديث قبل هذا‏.‏ ويدل أيضًا على تحريم القراءة على الحائض وقد قال به قوم‏.‏ والحديث هذا والذي بعده يصلحان للاحتجاج بهما على ذلك فلا يصار إلى القول بالتحريم إلا لدليل‏.‏

3- وعن جابر‏:‏ ‏(‏عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ لا يقرأ الحائض ولا النفساء من القرآن شيئًا‏)‏‏.‏

رواه الدارقطني‏.‏

الحديث فيه محمد بن الفضل وهو متروك ومنسوب إلى الوضع وقد روي موقوفًا وفيه يحيى بن أبي أنيسة وهو كذاب‏.‏ وقال البيهقي‏:‏ هذا الأثر ليس بالقوي وصح عن عمر أنه كان يكره أن يقرأ القرآن وهو جنب وساقه عنه في الخلافيات بإسناد صحيح‏.‏

 باب الرخصة في اجتياز الجنب في المسجد ومنعه من اللبث فيه إلا أن يتوضأ

1- عن عائشة قالت‏:‏ ‏(‏قال لي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ناوليني الخمرة من المسجد فقلت‏:‏ إني حائض فقال‏:‏ إن حيضتك ليست في يدك‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا البخاري‏.‏

الحديث حسنه الترمذي وهو صحيح بتصحيح مسلم إياه كما قال ابن سيد الناس وإخراجه له في صحيحه وأما أبو الحسن الدارقطني فإنه ذكر فيه اختلافًا على الأعمش في هذا الحديث وصوب رواية من رواه عنه عن ثابت عن القاسم عن عائشة وليس هذا الاختلاف الذي ذكره الدارقطني مانعًا من القول بصحته بعد أن بين فيه وجه الصواب ولكنه تفرد به ثابت بن عبيد وهو وإن كان ثقة فليس في مرتبة الحفظ والإتقان الذي يقبل معه تفرد ويمكن أن يجاب عن إعلاله بالتفرد أن له طريقًا أخرى عند الدارقطني عن محمد بن فضيل عن الأعمش عن السائب عن محمد بن أبي يزيد عن عائشة وعن عبد الوارث بن سعيد وعبد الرحمن المحاربي كلاهما عن ليث بن أبي سليم عن القاسم عن عائشة‏.‏ وعن أبي عمر الحوضي عن شعبة عن سليمان الشيباني عن القاسم عن عائشة وهذه متابعات لطريق ثابت بن عبيد وهي وإن كانت واهية فهي تحصل تقوية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الخمرة‏)‏ بضم الخاء المعجمة وإسكان الميم‏.‏ قال الهروي وغيره‏:‏ وهي السجادة وهي ما يضع عليه الرجل حر وجهه في سجوده من حصير أو نسيجة من خوص‏.‏ وقال الخطابي‏:‏ هي السجادة يسجد عليها المصلي وهي عند بعضهم قدر ما يضع عليه المصلي وجهه فقط وقد تكون عند بعضهم أكبر من ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن حيضتك‏)‏ الحيضة قيدها الخطابي بكسر الحاء المهملة يعني الحالة والهيئة‏.‏ وقال‏:‏ المحدثون يفتحون الحاء وهو خطأ‏.‏ وصوب القاضي عياض الفتح وزعم أن كسر الحاء هو الخطأ لأن المراد الدم وهو الحيض بالفتح لا غير وقد تقدم كلام الحافظ والنووي في باب وجوب الغسل على الكافر‏.‏

والحديث يدل على جواز دخول الحائض المسجد للحاجة ولكنه يتوقف على تعلق الجار والمجرور أعني قوله‏:‏ من المسجد بقوله‏:‏ ناوليني وقد قال بذلك طائفة من العلماء واستدلوا به على جواز دخول الحائض المسجد للحاجة تعرض لها إذا لم يكن على جسدها نجاسة وأنها لا تمنع من المسجد إلا مخافة ما يكون منها وعلقته طائفة أخرى بقوله‏:‏ ‏(‏قال لي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم من المسجد ناوليني الخمرة‏)‏ على التقديم والتأخير‏.‏

وعليه المشهور من مذاهب العلماء أنها لا تدخل لا مقيمة ولا عابرة لقوله‏:‏ صلى اللَّه عليه وآله وسلم ‏(‏لا أحل المسجد لحائض ولا جنب‏)‏ وسيأتي الكلام عليه في هذا الباب‏.‏

قالوا‏:‏ ولأن حدثها أغلظ من حدث الجنابة والجنب لا يمكث فيه وإنما اختلفوا في عبوره‏.‏ والمشهور من مذاهب العلماء منعه فالحائض أولى بالمنع ويحتمل أن يكون المراد بالمسجد هنا مسجد بيته الذي كان يتنفل فيه فيسقط الاحتجاج به في هذا الباب‏.‏

وقد ذهب إلى جواز دخول الحائض المسجد وأنها لا تمنع إلا لمخافة ما يكون منها زيد بن ثابت وحكاه الخطابي عن مالك والشافعي وأحمد وأهل الظاهر ومنع من دخولها سفيان وأصحاب الرأي وهو المشهور من مذهب مالك‏.‏

2- وعن ميمونة قالت‏:‏ ‏(‏كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يدخل على إحدانا وهي حائض فيضع رأسه في حجرها فيقرأ القرآن وهي حائض ثم تقوم إحدانا بخمرته فتضعها في المسجد وهي حائض‏)‏‏.‏

رواه أحمد والنسائي‏.‏

الحديث إسناده في سنن النسائي هكذا أخبرنا محمد بن منصور عن سفيان عن منبوذ عن أمه أن ميمونة فذكره‏.‏ ومحمد بن منصور ثقة ومنبوذ وثقه ابن معين وقد أخرجه بنحو هذا اللفظ عنها عبد الرزاق وابن أبي شيبة والضياء في المختارة‏.‏ وللحديث شواهد‏.‏

أما قراءة القرآن في حجر الحائض فهي ثابتة في الصحيحين وغيرهما من حديث عائشة وليس فيها خلاف‏.‏ وأما وضع الخمرة في المسجد فهو حجة لمن قال بجواز دخول الحائض المسجد للحاجة ومؤيد لتعليق الجار والمجرور في الحديث الأول بقوله‏:‏ ‏(‏ناوليني‏)‏ لأن دخولها المسجد لوضع الخمرة فيه لا فرق بينه وبين دخولها إليه لإخراجها وقد تقدم الكلام على ذلك‏.‏

وأخرج مالك في الموطأ عن ابن عمر أن جواريه كن يغسلن رجليه ويعطينه الخمرة وهن حيض‏.‏

3- وعن جابر قال‏:‏ ‏(‏كان أحدنا يمر في المسجد جنبًا مجتازًا‏)‏‏.‏

رواه ابن منصور في سننه‏.‏

4- وعن زيد بن أسلم قال‏:‏ ‏(‏كان أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يمشون في المسجد وهم جنب‏)‏‏.‏

رواه ابن المنذر‏.‏

الحديث الأول أخرجه أيضًا ابن أبي شيبة وقد أراد المصنف بهذا الاستدلال لمذهب من قال إنه يجوز للجنب العبور في المسجد وهم ابن مسعود وابن عباس والشافعي وأصحابه واستدلوا على ذلك بقوله‏:‏ تعالى ‏{‏إلا عابري سبيل‏}‏ والعبور إنما يكون في محل الصلاة وهو المسجد لا في الصلاة وتقييد جواز ذلك بالسفر لا دليل عليه بل الظاهر أن المراد مطلق المار لأن المسافر ذكر بعد ذلك فيكون تكرارًا يصان القرآن عن مثله وقد أخرج ابن جرير عن يزيد ابن أبي حبيب أن رجالًا من الأنصار كانت أبوابهم إلى المسجد فكانت تصيبهم جنابة فلا يجدون الماء ولا طريق إليه إلا من المسجد فأنزل اللَّه تعالى ‏{‏ولا جنبًا إلا عابري سبيل‏}‏ وهذا من الدلالة على المطلوب بمحل لا يبقى بعده ريب‏.‏

وأما ما استدل به القائلون بعدم جواز العبور وهم العترة ومالك وأبو حنيفة وأصحابه من قوله‏:‏ صلى اللَّه عليه وآله وسلم ‏(‏لا أحل المسجد لحائض ولا جنب‏)‏ وسيأتي فمع كونه فيه مقال سنبينه هو عام مخصوص بأدلة جواز العبور‏.‏ وحمل الآية على من كان في المسجد وأجنب تعسف لم يدل عليه دليل‏.‏

5- وعن عائشة قالت‏:‏ ‏(‏جاء رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ووجوه بيوت أصحابه شارعة في المسجد فقال‏:‏ وجهوا هذه البيوت عن المسجد ثم دخل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ولم يصنع القوم شيئًا رجاء أن ينزل فيهم رخصة فخرج إليهم فقال‏:‏ وجهوا هذه البيوت عن المسجد فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب‏)‏‏.‏

رواه أبو داود‏.‏

6- وعن أم سلمة قالت‏:‏ ‏(‏دخل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم صرحة هذا المسجد فنادى بأعلى صوته أن المسجد لا يحل لحائض ولا لجنب‏)‏‏.‏

رواه ابن ماجه‏.‏

الحديث الأول صحيح كما سيأتي وأخرج الثاني أيضًا الطبراني قال أبو زرعة‏:‏ الصحيح حديث عائشة وكلاهما من حديث أفلت بن خليفة عن جسرة وضعف ابن حزم هذا الحديث فقال‏:‏ بأن أفلت مجهول الحال وقال الخطابي‏:‏ ضعفوا هذا الحديث وأفلت راويه مجهول لا يصح الاحتجاج به وليس ذلك بسديد فإن أفلت وثقه ابن حبان وقال أبو حاتم‏:‏ هو شيخ‏.‏ وقال أحمد بن حنبل‏:‏ لا بأس به وروى عنه سفيان الثوري وعبد الواحد بن زياد‏.‏ وقال في الكاشف‏:‏ صدوق‏.‏ وقال في البدر المنير‏:‏ بل هو مشهور ثقة‏.‏ وأما جسرة فقال البخاري‏:‏ إن عندها عجائب‏.‏ قال ابن القطان‏:‏ وقول البخاري في جسرة أن عندها عجائب لا يكفي في رد أخبارها‏.‏ وقال العجلي‏:‏ تابعية ثقة وذكرها ابن حبان في الثقات وقد حسن ابن القطان حديث جسرة هذا عن عائشة وصححه ابن خزيمة‏.‏

قال ابن سيد الناس‏:‏ ولعمرى إن التحسين لأقل مراتبه لثقة رواته ووجود الشواهد له من خارج فلا حجة لأبي محمد يعني ابن حزم في رده ولا حاجة بنا إلى تصحيح ما رواه في ذلك لأن هذا الحديث كاف في الرد‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وأما قول ابن الرفعة في أواخر شروط الصلاة أن أفلت متروك فمردود لأنه لم يقله أحد من أئمة الحديث‏.‏

والحديثان يدلان على عدم حل اللبث في المسجد للجنب والحائض وهو مذهب الأكثر واستدلوا بهذا الحديث وبنهي عائشة عن أن تطوف بالبيت متفق عليه‏.‏

وقال داود والمزني وغيرهم‏:‏ إنه يجوز مطلقًا‏.‏ وقال أحمد بن حنبل وإسحاق‏:‏ إنه يجوز للجنب إذا توضأ لرفع الحدث لا الحائض فتمنع‏.‏ وقال القائلون بالجواز مطلقًا‏:‏ إن حديث الباب كما قال ابن حزم باطل‏.‏ وأما حديث عائشة فالنهي لكون الطواف بالبيت صلاة وقد تقدم‏.‏ والبراءة الأصلية قاضية بالجواز ويجاب بأن الحديث كما عرفت إما حسن أو صحيح‏.‏ وجزم ابن حزم بالبطلان مجازفة وكثيرًا ما يقع في مثلها واحتج من قال بجوازه للجنب إذا توضأ بما قاله المصنف بعد أن ساق هذا الحديث ولفظه وهذا يمنع بعمومه دخوله مطلقًا لكن خرج منه المجتاز لما سبق والمتوضئ كما ذهب إليه أحمد وإسحاق لما روى سعيد بن منصور في سننه قال حدثنا عبد العزيز بن محمد عن هشام ابن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار قال‏:‏ ‏(‏رأيت رجالًا من أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يجلسون في المسجد وهم مجنبون إذا توضئوا وضوء الصلاة‏)‏‏.‏

وروى حنبل بن إسحاق صاحب أحمد قال حدثنا أبو نعيم قال حدثنا هشام بن سعد عن زيد بن أسلم قال‏:‏ ‏(‏كان أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يتحدثون في المسجد وهم على غير وضوء وكان الرجل يكون جنبًا فيتوضأ ثم يدخل المسجد فيتحدث‏)‏ انتهى‏.‏ ولكن في كلا الإسنادين هشام بن سعد وقد قال أبو حاتم‏:‏ إنه لا يحتج به وضعفه ابن معين وأحمد والنسائي‏.‏ وقال أبو داود‏:‏ إنه أثبت الناس في زيد بن أسلم وعلى تسليم الصحة لا يكون ما وقع من الصحابة حجة ولا سيما إذا خالف المرفوع إلا أن يكون إجماعًا‏.‏

 باب طواف الجنب على نسائه بغسل وبأغسال

1- عن أنس‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يطوف على نسائه بغسل واحد‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا البخاري‏:‏ ولأحمد والنسائي ‏(‏في ليلة بغسل واحد‏)‏‏.‏

الحديث أخرجه البخاري أيضًا من حديث قتادة عن أنس بلفظ‏:‏ ‏(‏كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار وهن إحدى عشرة قال‏:‏ قلت لأنس بن مالك أو كان يطيقه قال‏:‏ كنا نتحدث أنه أعطي قوة ثلاثين‏)‏‏.‏ ولم يذكر فيه الغسل‏.‏ قال ابن عبد البر‏:‏ ومعنى الحديث أنه فعل ذلك عند قدومه من سفر ونحوه في وقت ليس لواحدة منهن يوم معين معلوم فجمعهن يومئذ ثم دار بالقسم عليهن بعد واللَّه أعلم لأنهن كن حرائر وسنته صلى اللَّه عليه وآله وسلم فيهن العدل بالقسم بينهن وأن لا يمس الواحدة في يوم الأخرى‏.‏

وقال ابن العربي‏:‏ إن اللَّه أعطى نبيه ساعة لا يكون لأزواجه فيها حق تكون مقتطعة له من زمانه يدخل فيها على جميع أزواجه أو بعضهن‏.‏

وفي مسلم أن تلك الساعة كانت بعد العصر فلو اشتغل عنها كانت بعد المغرب أو غيره‏.‏ وقد أسلفنا في باب تأكيد الوضوء للجنب تأويل النووي فليرجع إليه‏.‏

والحديث يدل على عدم وجوب الاغتسال على من أراد معاودة الجماع‏.‏

قال النووي‏:‏ وهذا بإجماع المسلمين وأما الاستحباب فلا خلاف في استحبابه للحديث الآتي بعد هذا ولكنه ذهب قوم إلى وجوب الوضوء على المعاود وذهب آخرون إلى عدم وجوبه وقد ذكرنا ذلك في باب تأكيد الوضوء للجنب‏.‏

2- وعن أبي رافع مولى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم طاف على نسائه في ليلة فاغتسل عند كل امرأة منهن غسلًا فقلت‏:‏ يا رسول اللَّه لو اغتسلت غسلًا واحدًا فقال‏:‏ هذا أطهر وأطيب‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا النسائي وابن ماجه والترمذي قال الحافظ‏:‏ وهذا الحديث طعن فيه أبو داود فقال‏:‏ حديث أنس أصح منه انتهى‏.‏ وهذا ليس بطعن في الحقيقة لأنه لم ينف عنه الصحة‏.‏ قال النسائي‏:‏ ليس بينه وبين حديث أنس اختلاف بل كان يفعل هذا مرة وذاك أخرى‏.‏

وقال النووي‏:‏ هو محمول على أنه فعل الأمرين في وقتين مختلفين‏.‏

والحديث يدل على استحباب الغسل قبل المعاودة ولا خلاف فيه‏.‏

 أبواب الأغسال المستحبة

 باب غسل الجمعة

1- عن ابن عمر قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم إذا جاء أحدكم إلى الجمعة فليغتسل‏)‏‏.‏

رواه الجماعة ولمسلم‏:‏ ‏(‏إذا أراد أحدكم أن يأتي الجمعة فليغتسل‏)‏‏.‏

الحديث له طرق كثيرة ورواه غير واحد من الأئمة وعد ابن منده من رواه عن نافع فبلغوا ثلاثمائة نفس وعد من رواه من الصحابة غير ابن عمر فبلغوا أربعة وعشرين صحابيًا‏.‏ قال الحافظ‏:‏ وقد جمعت طرقه عن نافع فبلغوا مائة وعشرين نفسًا‏.‏

وفي الغسل يوم الجمعة أحاديث غير ما ذكر المصنف منها عن جابر عند النسائي‏.‏ وعن البراء عند ابن أبي شيبة في المصنف‏.‏ وعن أنس عند ابن عدي في الكامل‏.‏ وعند بريدة عند البزار‏.‏ وعن ثوبان عند البزار أيضًا‏.‏ وعن سهل بن حنيف عند الطبراني‏.‏ وعن عبد اللَّه بن الزبير عند الطبراني أيضًا‏.‏ وعن ابن عباس عند ابن ماجه‏.‏ وعن عبد اللَّه بن عمر حديث آخر عند الطبراني‏.‏ وعن ابن مسعود عند البزار‏.‏ وعن حفصة عند أبي داود‏.‏ وفي الباب عن جماعة من الصحابة يأتي ذكرهم في أبواب الجمعة إن شاء اللَّه‏.‏

والحديث يدل على مشروعية غسل الجمعة وقد اختلف الناس في ذلك قال النووي‏:‏ فحكى وجوبه عن طائفة من السلف حكوه عن بعض الصحابة وبه قال أهل الظاهر‏.‏

وحكاه ابن المنذر عن مالك وحكاه الخطابي عن الحسن البصري ومالك وحكاه ابن المنذر أيضًا عن أبي هريرة وعمار وغيرهما‏.‏ وحكاه ابن حزم عن عمر وجمع من الصحابة ومن بعدهم‏.‏ وحكي عن ابن خزيمة وحكاه شارح الغنية لابن سريج قولًا للشافعي‏.‏ وقد حكى الخطابي وغيره الإجماع على أن الغسل ليس شرطًا في صحة الصلاة وأنها تصح بدونه‏.‏

وذهب جمهور العلماء من السلف والخلف وفقهاء الأمصار إلى أنه مستحب‏.‏ قال القاضي عياض‏:‏ وهو المعروف من مذهب مالك وأصحابه‏.‏

استدل الأولون على وجوبه بالأحاديث التي أوردها المصنف رحمه اللَّه تعالى في هذا الباب وفي بعضها التصريح بلفظ الوجوب وفي بعضها الأمر به وفي بعضها أنه حق على كل مسلم والوجوب يثبت بأقل من هذا‏.‏

واحتج الآخرون لعدم الوجوب بحديث ‏(‏من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غفر له ما بين الجمعة إلى الجمعة وزيادة ثلاثة أيام‏)‏ أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة‏.‏

قال القرطبي في تقرير الاستدلال بهذا الحديث على الاستحباب ما لفظه‏:‏ ذكر الوضوء وما معه مرتبًا عليه الثواب المقتضي للصحة يدل على أن الوضوء كاف‏.‏ قال ابن حجر في التلخيص‏:‏ إنه من أقوى ما استدل به على عدم فرضية الغسل يوم الجمعة واحتجوا أيضًا لعدم الوجوب بحديث سمرة الآتي لقوله‏:‏ فيه ‏(‏ومن اغتسل فالغسل أفضل‏)‏ فدل على اشتراك الغسل والوضوء في أصل الفضل وعدم تحتم الغسل وبحديث الرجل الذي دخل وعمر يخطب وقد ترك الغسل قال النووي‏:‏ وجه الدلالة أن الرجل فعله وأقره عمر ومن حضر ذلك الجمع وهم أهل الحل والعقد ولو كان واجبًا لما تركه ولألزموه به وبحديث أبي سعيد الآتي ووجه دلالته على ذلك ما ذكره المصنف وبحديث أوس الثقفي وسيأتي في هذا الباب ووجه دلالته جعله قرينًا للتبكير والمشي والدنو من الإمام وليست بواجبة فيكون مثلها‏.‏

وبحديث عائشة الآتي ووجه دلالته أنهم إنما أمروا بالاغتسال لأجل تلك الروائح الكريهة فإذا زالت زال الوجوب‏.‏ وأجابوا عن الأحاديث التي صرح فيها بالأمر أنها محمولة على الندب والقرينة الصارفة عن الوجوب هذه الأدلة المتعاضدة والجمع بين الأدلة ما أمكن هو الواجب وقد أمكن بهذا‏.‏

وأما قوله‏:‏ ‏(‏واجب‏)‏ وقوله‏:‏ ‏(‏حق‏)‏ فالمراد متأكد في حقه كما يقول الرجل لصاحبه حقك واجب علي ومواصلتك حق علي وليس المراد الوجوب المتحتم المستلزم للعقاب بل المراد أن ذلك متأكد حقيق بأن لا يبخل به واستضعفه ابن دقيق العيد وقال‏:‏ إنما يصار إليه إذا كان المعارض راجحًا في الدلالة على هذا الظاهر وأقوى ما عارضوا به حديث ‏(‏من توضأ يوم الجمعة‏)‏ ولا يقاوم سنده سند هذه الأحاديث انتهى‏.‏

وأما حديث من توضأ فأحسن الوضوء فقال الحافظ في الفتح‏:‏ ليس فيه نفي الغسل وقد ورد من وجه آخر في الصحيح بلفظ‏:‏ ‏(‏من اغتسل‏)‏ فيحتمل أن يكون ذكر الوضوء لمن تقدم غسله على الذهاب فاحتاج إلى إعادة الوضوء انتهى‏.‏

وأما حديث الرجل الذي دخل وعمر يخطب وهو عثمان كما سيأتي فما أراه إلا حجة على القائل بالاستحباب لا له لأن إنكار عمر على رأس المنبر في ذلك الجمع على مثل ذلك الصحابي الجليل وتقرير جمع الحاضرين الذين هم جمهور الصحابة لما وقع من ذلك الإنكار من أعظم الأدلة القاضية بأن الوجوب كان معلومًا عند الصحابة ولو كان الأمر عندهم على عدم الوجوب لما عول ذلك الصحابي في الاعتذار على غيره فأي تقرير من عمر ومن حضر بعد هذا‏.‏

ولعل النووي ومن معه ظنوا أنه لو كان الاغتسال واجبًا لنزل عمر من منبره وأخذ بيد ذلك الصحابي وذهب به إلى المغتسل أو لقال له لا تقف في هذا الجمع أو اذهب فاغتسل فإنا سننتظرك أو ما أشبه ذلك ومثل هذا لا يجب على من رأى الإخلال بواجب من واجبات الشريعة وغاية ما كلفنا به في الإنكار على من ترك واجبًا هو ما فعله عمر في هذه الواقعة على أنه يحتمل أن يكون قد اغتسل في أول النهار كما قال الحافظ في الفتح لما ثبت في صحيح مسلم عن حمران مولى عثمان أن عثمان لم يكن يمضي عليه يوم حتى يفيض عليه الماء وإنما لم يعتذر لعمر بذلك كما اعتذر عن التأخر لأنه لم يتصل غسله بذهابه إلى الجمعة‏.‏

وقد حكى ابن المنذر عن إسحاق بن راهويه أن قصة عمر وعثمان تدل على وجوب الغسل لا على عدم وجوبه من جهة ترك عمر الخطبة واشتغاله بمعاتبة عثمان وتوبيخ مثله على رؤوس الناس ولو كان الترك مباحًا لما فعل عمر ذلك‏.‏

وأما حديث أبي سعيد الآتي فقد تقرر ضعف دلالة الاقتران ولا سيما بجنب مثل أحاديث الباب‏.‏ وقد قال ابن الجوزي في الجواب على المستدلين بهذا الحديث على عدم الوجوب‏:‏ إنه لا يمتنع عطف ما ليس بواجب على الواجب لا سيما ولم يقع التصريح بحكم المعطوف‏.‏

وقال ابن المنير‏:‏ إن سلم أن المراد بالواجب الفرض لم ينفع دفعه بعطف ما ليس بواجب عليه لأن للقائل أن يقول خرج بدليل فبقي ما عداه على الأصل‏.‏

وأما حديث أوس الثقفي فليس فيه أيضًا إلا الاستدلال بالاقتران‏.‏

وأما حديث عائشة فلا نسلم أنها إذا زالت العلة زال الوجوب مسندين ذلك بوجوب السعي مع زوال العلة التي شرع لها وهي إغاظة المشركين وكذلك وجوب الرمي مع زوال ما شرع له وهو ظهور الشيطان بذلك المكان وكم لهذا من نظائر لو تتبعت لجاءت في رسالة مستقلة‏.‏

قال في الفتح‏:‏ وأجيب عن حديث عائشة بأن ليس فيه نفي الوجوب وبأنه سابق على الأمر به والإعلام بوجوبه‏.‏

وبهذا يتبين لك عدم انتهاض ما جاء به الجمهور من الأدلة على عدم الوجوب وعدم إمكان الجمع بينها وبين أحاديث الوجوب لأنه وإن أمكن بالنسبة إلى الأوامر لم يمكن بالنسبة إلى لفظ واجب وحق إلا بتعسف لا يلجئ طلب الجمع إلى مثله‏.‏ ولا يشك من له أدنى إلمام بهذا الشأن أن أحاديث الوجوب أرجح من الأحاديث القاضية بعدمه لأن أوضحها دلالة على ذلك حديث سمرة وهو غير سالم من مقال وسنبينه وأما بقية الأحاديث فليس فيها إلا مجرد استنباطات واهية وقد دل حديث الباب أيضًا على تعليق الأمر بالغسل بالمجيء إلى الجمعة والمراد إرادة المجيء وقصد الشروع فيه وقد اختلف في ذلك على ثلاثة أقوال اشتراط الاتصال بين الغسل والرواح وإليه ذهب مالك‏.‏ والثاني عدم الاشتراط لكن لا يجزئ فعله بعد صلاة الجمعة ويستحب تأخيره إلى الذهاب وإليه ذهب الجمهور‏.‏ والثالث أنه لا يشترط تقديم الغسل على صلاة الجمعة بل لو اغتسل قبل الغروب أجزأ عنه وإليه ذهب داود ونصره ابن حزم واستبعده ابن دقيق العيد وقال‏:‏ يكاد يجزم ببطلانه‏.‏

وادعى ابن عبد البر الإجماع على من اغتسل بعد الصلاة لم يغتسل للجمعة‏.‏ واستدل مالك بحديث الباب ونحوه‏.‏

واستدل الجمهور وداود بالأحاديث التي أطلق فيها يوم الجمعة لكن استدل الجمهور على عدم الاجتزاء به بعد الصلاة بأن الغسل لإزالة الروائح الكريهة والمقصود عدم تأذي الحاضرين وذلك لا يتأتى بعد إقامة الجمعة‏.‏

والظاهر ما ذهب إليه مالك لأن حمل الأحاديث التي أطلق فيها اليوم على حديث الباب المقيد بساعة من ساعاته واجب‏.‏

والمراد بالجمعة اسم سبب الاجتماع وهو الصلاة لا اسم اليوم كذا قيل وفي القاموس والجمعة المجموعة ويوم الجمعة وقيل إنما سمي يوم الجمعة لأن خلق آدم جمع فيه أخرجه أحمد وابن خزيمة وغيرهما من حديث سلمان‏.‏

وله شاهد من حديث أبي هريرة أخرجه أحمد بإسناد ضعيف وابن أبي حاتم بسند قوي موقوف‏.‏ قال الحافظ‏:‏ إن هذا أصح الأقوال ولكنه لا يصح أن يراد في الحديث إلا الصلاة لأن اليوم لا يؤتى وكذلك غيره وأخرج ابن خزيمة وابن حبان وغيرهما مرفوعًا ‏(‏من أتى الجمعة فليغتسل‏)‏ زاد ابن خزيمة ومن لم يأتها فلا يغتسل‏.‏

2- وعن أبي سعيد‏:‏ ‏(‏ أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم والسواك وأن يمس من الطيب ما يقدر عليه‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

وقد اتفق السبعة على إخراج قوله‏:‏ ‏(‏غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأن يمس‏)‏ يجوز فتح الميم وضمها وزاد في رواية لمسلم وغيره ‏(‏ولو من طيب المرأة‏)‏ وهو المكروه للرجال وهو ما ظهر لونه وخفي ريحه فأباحه للرجل هنا للضرورة لعدم غيره وهو يدل على تأكده‏.‏ وقوله‏:‏ ‏(‏ما يقدر عليه‏)‏ قال القاضي عياض‏:‏ محتمل لتكثيره ومحتمل لتأكيده حتى يفعله بما أمكنه‏.‏

والحديث يدل على وجوب غسل يوم الجمعة للتصريح فيه بلفظ واجب‏.‏ وقد استدل به على عدم الوجوب باعتبار اقترانه بالسواك ومس الطيب‏.‏

قال المصنف رحمه اللَّه تعالى‏:‏ وهذا يدل على أنه أراد بلفظ الوجوب تأكيد استحبابه كما تقول حقك علي واجب والعدة دين بدليل أنه قرنه بما ليس بواجب بالإجماع وهو السواك والطيب انتهى‏.‏

وقد عرفناك ضعف دلالة الاقتران عن ذلك وغايتها الصلاحية لصرف الأوامر وأما صرف لفظ واجب وحق فلا والكلام قد سبق مبسوطًا في الذي قبله‏.‏

3 - وعن أبي هريرة‏:‏ ‏(‏عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ حق على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام يومًا يغسل فيه رأسه وجسده‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

الحديث من أدلة القائلين بوجوب غسل الجمعة وقد تقدم الكلام عليه في أول الباب وقد بين في الروايات الأخر أن هذا اليوم هو يوم الجمعة‏.‏

4- وعن ابن عمر أن عمر‏:‏ ‏(‏بينا هو قائم في الخطبة يوم الجمعة إذ دخل رجل من المهاجرين الأولين فناداه عمر‏:‏ أية ساعة هذه فقال‏:‏ إني شغلت فلم أنقلب إلى أهلي حتى سمعت التأذين فلم أزد على أن توضأت قال‏:‏ والوضوء أيضًا وقد علمت أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يأمر بالغسل‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

الرجل المذكور هو عثمان كما بين في رواية لمسلم وغيره قال ابن عبد البر‏:‏ ولا أعلم خلافًا في ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أية ساعة هذه‏)‏ قال ذلك توبيخًا له وإنكارًا لتأخره إلى هذا الوقت‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والوضوء أيضًا‏)‏ هو منصوب أي توضأت الوضوء قاله الأزهري وغيره وفيه إنكار ثان مضافًا إلى الأول أي الوضوء أيضًا اقتصرت عليه واخترته دون الغسل‏.‏ والمعنى ما اكتفيت بتأخير الوقت وتفويت الفضيلة حتى تركت الغسل واقتصرت على الوضوء‏.‏

وجوز القرطبي الرفع على أنه مبتدأ وخبره محذوف أي والوضوء أيضًا يقتصر عليه قال في الفتح‏:‏ وأغرب السهيلي فقال‏:‏ اتفق الرواة على الرفع لأن النصب يخرجه إلى معنى الإنكار يعني والوضوء لا يتنكر وجوابه ما تقدم‏.‏

والحديث من أدلة القائلين بالوجوب لقوله‏:‏ كان يأمر وقد تقدم الكلام على ذلك وفيه استحباب تفقد الإمام لرعيته وأمرهم بمصالح دينهم والإنكار على مخالف السنة وإن كان كبير القدر وجواز الإنكار في مجمع من الناس وجواز الكلام في الخطبة وحسن الاعتذار إلى ولاة الأمر‏.‏

وقد استدل بهذه القصة على عدم وجوب غسل الجمعة وقد عرفناك فيما سبق عدم صلاحيتها لذلك‏.‏

5- وعن سمرة بن جندب‏:‏ ‏(‏أن نبي اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ من توضأ للجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فذلك أفضل‏)‏‏.‏

رواه الخمسة إلا ابن ماجه فإنه رواه من حديث جابر بن سمرة‏.‏

الحديث أخرجه ابن خزيمة وحسنه الترمذي وقد روي عن قتادة عن الحسن عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم مرسلًا‏.‏ قال في الإمام‏:‏ من يحمل رواية الحسن عن سمرة على الاتصال يصحح هذا الحديث وهو مذهب علي بن المديني كما نقله عنه البخاري والترمذي والحاكم وغيرهم وقيل لم يسمع منه إلا حديث العقيقة وهو قول البزار وغيره وقيل لم يسمع منه شيئًا وإنما يحدث من كتابه‏.‏

وروي من طريق الحسن عن أبي هريرة أخرجه البزار وهو وهم كما قال الحافظ‏.‏ وروي من طريق قتادة عن الحسن عن جابر‏.‏ ومن طريق إبراهيم بن مهاجر عن الحسن عن أنس‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وهذا الاختلاف فيه على الحسن وعلى قتادة لا يضر لضعف من وهم فيه والصواب كما قال الدارقطني عن قتادة عن الحسن عن سمرة وكذا قال العقيلي‏.‏

ورواه ابن ماجه بسند ضعيف عن أنس‏.‏ ورواه الطبراني من حديثه في الأوسط بإسناد أمثل من ابن ماجه‏.‏ ورواه البيهقي بإسناد فيه نظر من حديث ابن عباس وبإسناد فيه انقطاع من حديث جابر‏.‏ ورواه عبد بن حميد والبزار في مسنديهما‏.‏ وكذلك إسحاق بن راهويه من حديثه بإسناد فيه ضعف من حديث أبي سعيد‏.‏ وله طريق أخرى في التمهيد فيها الربيع بن بدر وهو ضعيف‏.‏

والحديث دليل لمن قال بعدم وجوب غسل الجمعة وقد ذكرنا تقرير الاستدلال به على ذلك والجواب عليه في أول الباب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فبها ونعمت‏)‏ قال الأزهري‏:‏ معناه فبالسنة أخذ ونعمت السنة قال الأصمعي‏:‏ إنما ظهرت تاء التأنيث لإضمار السنة وقال الخطابي‏:‏ ونعمت الخصلة‏.‏ وقيل ونعمت الرخصة لأن السنة الغسل قاله أبو حامد الشاركي‏.‏ وقال بعضهم‏:‏ فبالفريضة أخذ ونعمت الفريضة‏.‏

6- وعن عروة عن عائشة قالت‏:‏ ‏(‏كان الناس يتناوبون الجمعة من منازلهم ومن العوالي فيأتون في العباء فيصيبهم الغبار والعرق فتخرج منهم الريح فأتى النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم إنسان منهم وهو عندي فقال النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ لو أنكم تطهرتم ليومكم هذا‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يتناوبون الجمعة‏)‏ أي يأتونها‏.‏ والعوالي هي القرى التي حول المدينة على أربعة أميال منها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في العباء‏)‏ هو بالمد وفتح العين المهملة جمع عباءة بالمد وعباية بالياء لغتان مشهورتان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لو أنكم تطهرتم‏)‏ لو للتمني فلا تحتاج إلى جواب أو للشرط والجواب محذوف تقديره لكان حسنًا‏.‏

الحديث استدل به من قال بعدم وجوب غسل الجمعة وقد قدمنا تقرير الاستدلال به والجواب عليه في أول الباب‏.‏

7- وعن أوس بن أوس الثقفي قال‏:‏ ‏(‏سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يقول‏:‏ من غسل واغتسل يوم الجمعة وبكر وابتكر ومشى ولم يركب ودنا من الإمام فاستمع ولم يلغ كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها‏)‏‏.‏

رواه الخمسة ولم يذكر الترمذي ‏(‏ومشى ولم يركب‏)‏‏.‏

الحديث حسنه الترمذي وسكت عليه أبو داود والمنذري وقد اختلف فيه على أبي الأشعث وعلى عبد الرحمن بن زيد‏.‏ وعلى عبد اللَّه بن المبارك‏.‏ وقد رواه الطبراني بإسناد قال العراقي‏:‏ حسن عن أوس المذكور‏.‏

ورواه أحمد في مسنده عنه عن عبد اللَّه بن عمرو عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏غسل‏)‏ روي بالتخفيف والتشديد قيل أراد غسل رأسه واغتسل أي غسل سائر بدنه وقيل جامع زوجته فأوجب عليها الغسل فكأنه غسلها واغتسل في نفسه‏.‏

وقيل كرر ذلك للتأكيد ويرجح التفسير الأول ما في رواية أبي داود في هذا الحديث بلفظ‏:‏ ‏(‏من غسل رأسه واغتسل‏)‏ وما في البخاري عن طاوس قال‏:‏ قلت لابن عباس ذكروا ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ اغتسلوا واغسلوا رؤوسكم‏)‏ الحديث‏.‏

وقال صاحب المحكم‏:‏ غسل امرأته يغسلها غسلًا أكثر نكاحها‏.‏ وقال الزمخشري‏:‏ ويقال غسل المرأة بالتخفيف والتشديد إذا جامعها وحكاه صاحب النهاية وغيره أيضًا‏.‏

وقيل المراد غسل أعضاء الوضوء واغتسل للجمعة‏.‏ وقيل غسل ثيابه واغتسل لجسده‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بكر‏)‏ بالتشديد على المشهور أي راح في أول الوقت وابتكر أي أدرك أول الخطبة ورجحه العراقي‏.‏ وقيل كرره للتأكيد وبه جزم ابن العربي‏.‏

والحديث يدل على مشروعية الغسل يوم الجمعة وقد تقدم الخلاف فيه وعلى مشروعية التبكير والمشي والدنو من الإمام والاستماع وترك اللغو وأن الجمع بين هذه الأمور سبب لاستحقاق ذلك الثواب الجزيل‏.‏